vendredi 11 novembre 2016

سينما في السجون

  خلال الأسبوع الفارط  تمكّنت من مواكبة عروض أيّام قرطاج السينمائية  التي تنظّم في السجون  التونسية .  و هي تجربة انطلقت السنة الفارطة بفضل شراكة بين ادارة المهرجان و المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب و الادارة العامة للسجون و  والاصلاح  يتمّ خلالها عرض الافلام المشاركة في المسابقة الرسمية في بعض السجون و مراكز اصلاح القاصرين.و عادة ما يكون مخرج الفيلم المعروض و بعض من ممثليه  حاضرين في السجن لمناقشته مع السجناء و السجينات . 
واكبت تقريبا أغلب العروض التي برمجت لهاته السنة ما عدى عرضين  أجبرتني ظروف صحية على التخلّف عنهما


. و دعوني أقول انّه رغم تكراري للتجربة فانّ الأحاسيس و المشاعر  تداخلت في نفسي   في  كلّ صباح و مع كلّ زيارة  بدءا من صعودي للحافلة التي تقلّنا الى السجن. حافلة يجتمع فيها مجموعة من المؤمنين و المؤمنات بأهمية الثقافة و دورها في المجتمع , مرورا بسويعات الطريق  التي تكثر فيها النقاشات و يتبادل فيها الحاضرون الافكار ووصولا الى ما نعيشه داخل 
أسوار السجون . 







و رغم  تشابه السجون و علوّ أسوارها و احكام اغلاق أقفالها و تطابق اجراءات دخولها من استظهار ببطاقة الهوية و تفتيش و غيرها  فلكلّ عرض و لكل سجن  خصوصيته لاختلاف النقاشات  التي تصاحب كلّ عرض ; و اختلاف   درجة صرامة القوانين من سجن لاخر فبعض السجون يسمح لك فيها الجلوس جنبا الى جنب مع المساجين و قد يصل الامر الى تناول الطعام الذي عادة ما تعدّه ادارة كل وحدة سجنية على شرف ضيوفها و في  سجون اخرى يرفض هذا القرب من المساجين كما  تختلف طرق التعامل مع الكاميرا والة التصوير او دعوني اقول مع الصحفيين و الصحفيات من  سجن الى اخر و لكلّ 
سجن رائحته و ساكينيه كما هو الحال بالنسبة لكلّ بيت .  


هاته السنة كانت الافتتاح  من سجن مرناق الموجود جنوب العاصمة التونسية حيث حضر أغلب المسؤولين الأمنيين و   أبطال الفيلم  التونسي لمخرجه   فريد بوغدير  لتتواصل العروض في سجون المهدية و سوسة و بنزرت  و سجن النساء بمنوبة و  و مركز اصلاح الاطفال الجانحين  بالمروج 

و بعد القيام باجراءات الدخول عادة ما يطالعك سجّاد أحمر و قاعة عرض قد تنسيك أنّك داخل أسوار أحد المعتقلات  لما اكتسته من لوحات فنية دهنت مباشرة على الحائط و بالسؤال عنها عادة ما يكون الجواب أنّ السجناء هم من قاموا  برسمها    بعد التحية  والترحيب بالضيوف  و  تقديم الفيلم عادة ما يعرض الفيلم وسط   صمت مهيب قد تقاطعه همسات بعض السجناء أو السجينات حول مشهد معيّن أو تصفيق و تهليل  امام احد المشاهد الساخنة كما هو عليه الحال خارج هاته الأسوار داخل دور عروض الأفلام  . يغرق الجميع في الفيلم و يرحلون معه خارج تلك الأسوار العالية , يسافرون لساعة أو ساعتين محلّقين في عوالم اخرى ناسين وضعيتهم الصعبة و مشاكلهم و المهم . و ما ان تشتعل الأنوار من جديد حتى تعلو الاصوات و تبدأ التعليقات و يتململ الجميع على مقاعدهم و يتمّ الاعلان عن بداية النقاش  فتصعد احدى منظمات العرض المنصة صحبة المخرج و أبطال الفيلم  و تبدأ مرحلة السؤال و الجواب . أسئلة تشمل كلّ جوانب الفيلم التقنية منها و الجمالية . و المواضيع و المحاور . و قد تتوّسطها تعليقات أو شعر أو نص أراد أحد السجناء أن يتلوه على الجميع ففي سجن مرناق أخذ سجين المصدح ليفاجئ الجميع بقصيدة قال أنّها من وحي اللّحظة و ليختم تدخّله  بالنشيد الوطني التونسي فكان ان . تفاعل معه الجميع   من مساجين و حرّاس و صحفيين و ضيوف ووقفوا مؤدّين النشيد و في سجن سوسة المسعدين كان العرض موّجها الى النساء و غمرتهنّ سعادة كبيرة عندما طالعتهم بطلة الفيلم الرائعة هند صبري رفقة  بطله محمد علي بن جمعة  و الممثل المصري محمود حميدة و   طالت النقاشات و سالت الدموع بعد تدخّلات هند و محمد علي و ما نشراه من أمل و فرحة في القلوب . في سجن المهدية تناول النقاش بالاساس  الجوانب التقنية ليتضح فيما بعد أنّ المساجين استفادوا من ورشات في مجال السينما و أنّهم قاموا بانجاز العديد من الأفلام القصيرة . و في كلّ سجن تتعدّد المفاجات و تختلف الأسئلة ليتفّق جميع المشرفين  على هذه المجتمعات المصغّرة أنّ  عرض فيلم  تكون ثماره و نتائجه ملموسة منذ اللحظات الأولى فعادة ما يعم الهدوء و تختفي المشاكل و المشاحنات لفترة قج تمتد بين 3 اسابيع و شهر في السجن الذي يعرض فيه . 
و تعتبر هذه التجربة فريدة من نوعها في العالم العربي و تنمّ عن وعي المجتمع التونسي بصفة عامة و المثقّفين و المسؤولين عن ادارة السجون بصفة خاصة بأهمية الثقافة في معالجة بعض المشاكل المجتمعية و في اصلاح الوضع  العام و اصلاح .  الافراد  فبعد ان كانت السجون  تعتبر مؤسسات ردعية عادة ما تنتج افرادا اكثر نقمة على المجتمع توجّه الجميع الان الى اعتبارها مؤسسات اصلاحية من شانها النهوض بالفرد و اصلاحه فتعدّدت المبادرات من عروض مسرح و سينما و خلق مكتبات الى ورشات فنية و حرفية   يطلق فيها المساجين العنان لابداعاتهم و افكارهم . 

  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

مجرد رأي

نحن شعب لا يتعظّ من ماضيه و لا يحفظ دروس التاريخ و كأنّني بنا شعب قصير الذاكرة أو دعوني أقول معدوم الذاكرة. تستهوينا بعض عروض التهريج في مج...